مناسبة العيد في ضمائرنا لحظة تاريخية فارقة, فبعد عناء شهر كامل من الصوم يأتي عيد الفطر كمكافأة عظيمة للصائمين, ولا يذكر العيد, الا وتذكر (العيدية) والحدائق ومدن الألعاب والدواليب والملابس الجديدة التي ترتبط بالمناسبة.. وفرحتنا بالعيد نحن اطفال وصبيان الستينيات من القرن الفائت كانت صغيرة في مساحتها , ومتواضعة في محتوياتها , فلم تكن تتعدى زوجا من الاحذية , يشتريه لنا الأهل من ( باتا ) المحل الذي كان يربض على مقربة من السوق العصرية بكركوك , وبنطلونا وقميصا اذا كان الوقت صيفا , وبدلة من القماش الذي كانت بطانته من ( الكَونية ) في الشتاء..!!
وللحذاء الجديد حكايا طريفة لا زالت تحتفظ بها الذاكرة رغم مرور عقود من الزمن , واتذكر كيف كانت اصابع قدمي تتورم في اول يوم العيد , فاضطر الى الى ان اعود الى لبس حذائي القديم , ريثما يقوم الاهل بتلافي الامر بحشوه بقطع من القماش , ودهن جلده بدهن الطعام او اي زيت متوفر ..!!!
وصباحات العيد هي عالمنا الواسع الذي يحتوي احلامنا الصغيرة وكركراتنا البريئة , فعند شباك التذاكر لسينما الخيام واطلس والعلمين وصلاح الدين , تتلاشى فرحتنا بل وتتحول احيانا الى بكاء وعويل , بعدما تتمزق قمصاننا او نفقد ( فردة ) حذاء بفعل التدافع والزحام هناك ..
وحين تحتوينا صالة ( الاربعين فلس ) او التي كنا نسميها ( قيرليغ ) كانت بانورما من الضجيج والصفير وقرقعة ( الدنابك ) تنسينا الحزن الذي انتابنا عند شباك التذاكر ..!!!
وتصل الفرحة الى اوجها حين يطل بطل الفلم على الشاشة وغالبا ما كان (ستيف ريفيز ) الذي يتقمص دور ( هرقل ) هو البطل , والذي كنا نسميه ( اوغلان ) في مقابل ( خاينلار ) اي اعداء البطل , حينها كان يعلو الصفير والصياح فيتحول المكان الى ساحة حرب وهرج ومرج , لا تنتهي الا عند اعلان الجرس عن انتهاء الفلم , ونخرج من الصالة ونحن نفرك اعيننا التي اعياها دخان السكاير , ونالت من قوتها اضواء الشاشة ..
رعى الله تلك الايام الخوالي التي كان اقصى مدى احلامنا فيها , هو قضم سندويج من الهامبرغر في منطقة ( كانتين ) بعرفة , او ارجوحة تطير باجسادنا الغضة على تخوم ( البيرام ) في سفح القلعة او المصلى او ساحة العمال ...
ولنا عودة مع ذكريات العيد في كركوك قديما ...
وكل عيد وانتم بالف خير , وعراقنا يرفل بالسلام والطمأنينة بعيدا عن المفخخات والعبوات والكواتم ..!!
|