من طبيعة الانسان وخصوصا الانسان الشرقي ان يحن لوطنه كلما ابتعد واينما حل ورحل. وفي كل حله وترحاله يكون هاجس الوطن ملاصقا لمخيلته لا يفارقة حتى يعود به الى وطنه وحيث ما كان. مهما كانت الغربة جميلة الا انها غربة.. فكم من الشباب يهبون كل ما لديهم في سبيل الوصول الى بلد اوربي او امريكا لبلوغ الرفاهية والراحة والسعادة. في طريق عدودتي الى العراق وانا في مطار اتا تورك باسطنبول .. حيث انتظر ساعة الاقلاع الى اربيل. انظر الى الناس الكل يتدافع للحصول على تاشيرة الخروج وركوب الطائرة للوصول قبل حين الى ارض بلده. فمنهم من هو من امريكا ومنهم من المانيا ومن كل بقاع الارض. الكل متلهف لوطنه والجميع يتراكض قبل الاخر وكانهم في سباق مراثون. كنت عندها اجالس مجموعة من العراقيين حيث ننتظر قدرنا للعودة الى العراق وموعد الاقلاع ونحن نعاين بانظارنا ما في حولنا. لم نكن نتكلم فيما بيننا الا في ما هو سبب الزيارة الى تركيا ومن اي محافظة انت واسئلة كلاسكية كهذا. اقترب موعد اقلاع طائرتنا الى العراق.. وجاء رقم الرحلة الى لوحة المغادرة.. الحقيقة كنت اظن ان الاخوة العراقيين سوف يتدافعون الى بوابة الخروج كما نتدافع جميعا عند ركوبنا سيارة الباص من منطقة الى اخرى داخل المدينة في العراق. لملمت حاجاتي وانا اتهيئ للتوجه الى الطائرة الموعودة. ومن حولي اخواني العراقيين الذين لم الاحظ عليهم شيئا من حالات الاستعداد والاستعجال وهم يجلسون في محلهم او يتهيئون ولكن ببطئ شديد وكسل واضح. خاطبتهم هيا يا اخوان نحن ذاهبون. فرد علي احدهم والله يا اخ محمد اكاد لا اقدر على الحركة وكان قدمايا قد شلا وانا احس انني راجع الى العراق!! لم اتوقع هذه الاجابة على الاطلاق. فقد افاد هذا الاخ العراقي بقوله القصير هذا عن كل هموم العشب العراقي. وقد ايده بذلك كل من كان يجالسنا من العراقيين الافاضل. وعلق احدهم قائلا (مولدة لو وطني) نعم لقد حدث ما يخالف التاريخ ويخالف الحقيقة والواقع. فكل ما قراته من اشعار تتغنى بحب الوطن والارض. وكل من يعيش في الغربة يكتب الشعر بحب الوطن والحنين الى ايامه حتى وان لم يكن شاعرا. الا ان ما بلغه العراق من سوء الحال ذكرني بالمثل المصري القائل (اش صبرك على المر غير الامر منو). نعم ان كانت في الغربة مرارة ففي العراق ما هو امر وادهى. فجعل المواطن العراقي البسيط يتباكى في الغربة لا للوطن وبعده عنه, بل لانه سيعود للوطن مودعا كل نعيم الحياة والنظام والانضباط والقوانين التي تنطبق على الجميع (المسؤول وغير المسؤول). العراقي يتباكى لانه سيترك وارئه الرفاهية ليرجع الى بلد لا يعترف بحق مواطنيه في الحصول على جواز سفر ليسافر على نفقته ومن مصرفه الخاص وهذا من ابسط الحقوق. وطوال السفر وفي الجو كنت افكر بما شاهد وقد راودني كل ما قراته من كتب التاريخ والادب حتى بدات اردد ابيتا من الشعر تتغنى بحب الوطن. وكانني اخاطب السياب لاساله هل سيكتب اليوم ما كتبه بالامس من قصيدته ( وطن وطن وطن)؟ ام سيبحث لقصيدته موضوعا اخر؟؟ واقتنعت عندها انه لا يوجد شيء مطلق على وجه الارض. فكما سطر العراقييون اسطر من ذهب في صفحات التاريخ, ها هم يخالفون كل كتب التاريخ والادب كما يخالف واقعهم كل واقعيات العالم واحواله. في الغربة الكل متلهف للوطن والعراقي يبكى لعودته الى الوطن. فلكم الله يا ابناء العراق.
|