مَضى العيدُ ، كما مَضت الأعيادُ السابقة ، وظلّت المَقولة التقليدية : هذا العيدُ لا يشبه العيد ، يُردّدها لسانُ الكثيرين ، من الذين أفتقدوا حَلاوةَ العيدِ وإشراقاته ، فالبعضُ يُعزو الأمرَ إلى التغييراتِ التي طرأتْ على نَمط حياتنِا ، وطبائع الناس التي تغيّرت هي الأخرى ، والعلاقات الحميمية التي كانت سائدةً بين افرادِ الحّي والمحلة ، والتي لَمْ تعدْ كما كانت ، فالجارُ أصبح لا يُعنينا أمره ، ولا نفّكر في أحواله ، بل صار كائناً غريباً يتقاسم معنا الجغرافيا فقط . حتى المعايدات بين الأهلِ والاسرة ، اختلفت كثيراً ، فغابت القُبلات والمُصافحات والعِناق ، فصرنا نُعايد الاحبّة والأصدقاء ، ألكترونياً ونكتفي بكبسة زِر ، وإرسال رسالة لجميع المُسجّلين في قائمةِ الهاتفِ الجوّال او جهاز الكمبيوتر ، فتتناقلُ مُعايدة العيد بكلماتِها الفاترة وعباراتِها المُنمّقة الباردة بين المُهنئين ، وهى لا تحمل اية مشاعر .. وَلئِنْ كانت التكنلوجيا الحديثة ، نِعمة ، يجب أن لا نَدعها تكونَ بديلاً لمشاعِرنا وأحاسيسنا ، وأنْ لا تَحولَ بيننا وبين من نحب ، كي لا يفقد العيدُ نكهَته وروحَه ، والأهّم المُهّم في الأمر هو الأحساسُ بروحِ الجماعة ، فرسالةُ العيد عبر الهاتف لا تَروي الظمأ ، ولا تُشفي العليل ،فالتواصلُ الروحي مَع أهلِنا وأصدقائنا وجيراننا الذين يعيشونَ معنا في نفسِ المدينةِ والمحّلةِ والزِقاق ، أسمىٰ وأروع وأحسن مِن التواصل التِقَني ، ، فأنَّ مِن مقاصد العيد السامية ، أنها تُشعِركَ بالأنتماء إلى أمةٍ عظيمةٍ مُتعددةِ الأجناسِ والأعراق ، ومُترامية الأطراف ، يعيشُ أفرادُها في أصقاع الأرض ، مِنهم المقهورُ والمظلومُ والمغلوبُ على أمرِه ، ومنهم الفقيرُ المُعدَم ، ومِنهم مَن يعيش في العَراء بعيداً عن دِفء البيتِ والعائلة ، وحَرِيٌّ بِنا ، وواجبٌ علينا ،أن نُشعِرهم بأننا نُشاطرهم الألم والمأساة ، فنمّد لهم يدَ العَوْنِ والمُساعدة ، وإنْ لمْ نقدر على ذلك ، نَدعو لهم بالخير. وذلك هو أضعف الايمان ، وتلِك هي فلسفة العيد ..!
|