اه لايام مرت كنا شبابا نجلس كتلاميذ صغار في حلقات المثقفين في لقاءات اشبه باندية الفكر . اه لايام رحلت كنا نصغي باشتياق لاحاديث رواد السياسة والادب والثقافة , وننهل من علومهم ولا نشبع من غذاء الروح الذي نتلقاه ولا نرتوي من روافدهم . اما هذه الايام فما اكثر الحلقات , لكن في معظمها تحولت الى مجالس للغيبة والتفاخر ولا تعني شيئا اخر سوى الافلاس الفكري والضياع العقلي , والاغراق في تجاهل دور الرواد الذين كانوا في طليعة الطبقة المثقفة . حين ينصرف بعض المثقفين اليوم الى افيونهم اللذيذ " الغيبة ونهش لحوم الاخرين " فان افكارهم ونتاجاتهم تبدو بائرة عاجزة عن التعبير الصح لاحوال مجتمعنا في هذه الايام . انا انزه تلك الاقلام الناهضة في دنيا الثقافة والادب وبقية فروع مجالات الحياة من حياة اجتماعية وسياسية , ولا يعمم كلامي على الكل , لكننا نعيش الفوضى وانعدام المقاييس في اغلب الاحيان والاماكن , نعم هما الميزة الرئيسية لدى الكثير وليس الكل من المثقفين او ما يسمون بانصاف المثقفين في هذه المرحلة المهمة التي يمر بها شعبنا . هنا وهناك ....... مزيفون وتافهون في كل مكان وفي كل حقل من حقول الثقافة , انتحلوا صفة الكاتب والاديب ورفعوا شعارات مزيفة وقيم كاذبة وقفزوا من فوق جدران الذوق والاصالة ليفرضوا انفسهم على الادباء والمثقفين واصحاب الراي والامور . نعم هم هكذا ...... تراهم في كل زاوية من زوايا الفكر والصحافة والسياسة , والادهى والامر من ذلك انهم يحاولون تصدر بعض المجالس ويناقشون الامور من اجل النقاش فقط ويرمون تعليقاتهم جزافا في كل شأن . اذا دار الحديث في السياسة تراهم بصدور منتفخة كانهم هم من اوجدوا الف باء السياسة , واذا تغير الموضوع الى بعض مذاهب الفن ابدوا رايهم بجميع انواع الفن من الاول وصولا الى الفن السابع , واذا تلطف جو الحديث ببعض النوادر والنكات اصروا على ان يدسوا سماجاتهم في اسماع الحاضرين , فاما ان تصمت او تصاب بالغثيان او ترحل عن المكان . ويا ويلنا لو تشعب الحديث في قضايا الادب والثقافة , تراهم يؤلفون الكتب او بالادق يجمعون صفحات من هنا وهناك لتاليف كتب وكتابة مقالات وينشرونها دون ادنى وازع من ضمير , بل ويجدون دور نشر رخيصة لطبع مؤلفاتهم ( كذا ) الرخيصة ايضا وتقدمهم الى المجتمع كادباء وكتاب يتحدث عنهم الناس ويكتب عنهم النقاد . امثال هؤلاء دخلاء على الادب والثقافة والكتابة , دخلاء بكل ما للكلمة من معنى , سلاحهم سماجتهم ووقاحتهم , يكتبون في كل شيء ويتحدثون عن كل شيء , شعارهم " انا ارى والصح ما ارى " و " في اعتقادي والصح ما اعتقد " دون خجل ودون ان يندى لهم جبين او تطرف لهم عين بنظرة خجل , فاستباحوا ساحة الادب وحرمة الكلمة . لقد ظنوا ان ساحة الادب انما هي مأوى للجهلة فانقضوا عليها من كل صوب , ينهشون لحوم اصحاب الاقلام الجادة والصادقة ويمتصون بالنسخ دماء نتاجات الرواد . انهم ادعياء الفكر والادب والصحافة ....... فيا ترى من ينقذنا من طغيانهم ؟ .... فمن يزيل كل الحشرات الطفيلية عن عالمنا الموبوء ؟ ..... من يحمي الكلمة , صحافة كانت ام ادب او فكرا من اشباه الصحفيين والادباء والكتاب والمثقفين ؟ .
|