عندما كان يحبو , اعدم أزلام النظام السابق شقيقه بسبب نشاطه القومي , لف الحزن حياة والديه وابقوا على غرفة الشهيد كما هي طوال هذه السنوات . ترعرع الصغير في بيئة متناقضة همها الأول والأخير المال والمزيد من المال , ووصل به الأمر الى نسيان فاجعة استشهاد شقيقه , وركن الى مباهج الحياة ومشاغل الدنيا . بعد احتلال العراق في نيسان 2003 وفتح مقرات للأحزاب التركمانية كان يتردد وبصحبة عدد من أصدقائه على هذه المقرات . ذات يوم عاد الى البيت واتجه نحو والده مسرعا مخاطبا إياه:- أبي ... أريد ان أكون مثل الشهيد , نسخة منه , ان اعمل للتركمان بنفس طريقته و.. أجابه الوالد مقاطعا :- افعل يا بني , لكن بطريقتك أنت , مهما حاولت وجاهدت فلن تكون مثله أبدا . لم يقتنع بكلام أبيه وأول عمل قام به أن صعد الى غرفة الشهيد ففتحها وجلس على السرير مرددا مع نفسه ( سأكون مثله تماما ) . ومن ثم بعد هنيهة تناول من مكتبة شقيقه كتابا وولج غرفة والديه واختار لنفسه مكانا له وسطهما قائلا : - اسمعوني .... ساقرا على مسامعكم مقاطع من هذا الكتاب كما كان يفعل شقيقي الذي تحدثتم لي عنه كثيرا . وبدا يقرا ويقرا , ونكس الوالد رأسه , فالكلمات والجمل لم تكن لتدخل قلبه .... لأنها لا تخرج من القلب وقال بصوت مشروخ : - حسنا يكفي هذا اليوم , لكن عليك ان تقابل أصدقاء شقيقك وتصاحبهم , وتفعل ما كان يفعل . : - بالطبع .. قالها وهو يعيد الكتاب الى رف المكتبة . في اليوم التالي ذهب ليبحث عن أصدقاء شقيقه , ووجدهم فرحبوا به ليجلس وسطهم وهم يتداولون الأوضاع بعد التغييرات ويناقشون الأمور التي طرأت على الساحة . لم يفقه لا كثيرا ولا قليلا ما يقولون , ولم يستطع المشاركة في النقاش كونه لا يملك خلفية سياسية وثقافية في مثل هذه الأمور . في المساء عندما عاد الى البيت , توجه نحو والديه وبعد ان قبل أياديهما مليا سال والده بحنان والدموع تحاول الهروب من مقلتيه , : - نعم يا ابتي , كل ما حدثتني عنه وجدته هنا في البيت وفي الحي والشارع , بربك قل لي كيف أكون مثل الشهيد . الوالد : - يابني كن نفسك , ولا تكن نسخة عن الشهيد فلن تكون ظلا له أبدا ... ابدأ بتثقيف نفسك أولا بالثقافة القومية وأنا سأساعدك منذ البداية ومن الدرس الأول , كي تحاول ان تصل الى ما تصل إليه من الروح القومية التي كان الشهيد يمتلكها .
|