في عام 19977 اضطررت الى العمل في مكتبي الصغير للخط العربي والترجمة بكركوك بعد ان رفضت الدولة العراقية تعيني في اختصاصي الجامعي لرفضي تغير قوميتي التركمانية التي منعت من التعيين الا بعد ما يسمى بـ(تصحيح القومية) النكراء. كان جاري في المحل رساما شابا نشطا مكافحا يرسم الجداريات والصور الشخصية. الا ان بعض الصور التي كان يرسمها كانت لا تشبه اصحابها. فقلت له ذات مرة ان الصور لا تشبه اصحابها فكيف يقبلون بها ويدفعون ثمنها؟! اجابني جوابا ذكيا ينم عن فطنته وعلمه بخلجات المجتمع والخفايا. اعطاني جوابا لم انساه الى اليوم بل اعتبرته درسا شافيا كافيا, مما دفعني بعد كل هذه السنين ان اكتبه واتقاسمه مع القراء الاعزاء. قال لي.. (استاذ نحن مستفيدين من جهل الناس). فلو كانوا يفهمون بالفن ويعلمونه لما قبلوا بالصور التي ارسمها. فعلا.. الجهل الذي نعيشه ولا ندري به قد ساقنا الى ما نحن عليه اليوم. وهذه النقطة استفاد منها الكثير من سياسيي الصدفة الذين يتاجرون بنا وباسم قوميتنا وديننا والمبادئ السامية وغيرها من الكلمات الرنانة, ونحن نصفق لهم ونجري من خلفهم ونقيم لهم الاعتبار. تجدهم يقيمون التجارة والاستثمارات الكبيرة ويربحون ويبنون ولا يقدمون الا لأنفسهم وابناء الشعب من حولهم جياع يبحثون عن ابسط عمل. بالرغم من هذا نصفق ونهتف ونبارك لهم لأننا نجهل كل ما يدور من حولنا ولا نسأل احدهم من اين لك هذا؟ نتحدث عن رواتبهم العالية ولا نعلم شيئا عن الاستثمارات الكبيرة وتجارة العقارات داخل وخارج البلاد. كانوا ايام النظام المقبور ما كانوا واليوم هم ما هم ونحن ايضا لا نسال ولا نهتم بل ولا نعي ما يدور من حولنا. يتاجرون بنا وبقضيتنا وبسيرة مناضلينا ودماء شهدائنا. فعلا هم يستفيدون من جهلنا وعدم ادراكنا لصغائر الامور وكبائرها. حتى الاجانب كثروا في بلادنا بفضل جهلنا. فهذا خير استثمار للجهل.
|